فصل: من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة الكوثر:
قوله جل ذكره: بسم الله الرحمن الرحيم
{بسم الله} اسم يجل العبد بإجلاله ولا يجل هو إلا باسنحقاق علوه في آزاله اسم عزيز أعز من شاء بأفضاله وإقباله، وأذل أعداءه بسلاسله وأغلاله، والتخليد في جحيمه وأنكاله.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ}.
{الْكَوْثَرَ}: أي الخبر الكثير. ويقال: هو نَهْرٌ في الجنة.
ويقال: النبوَّةُ والكتابُ.
وقيل: تخفيف الشريعة.
ويقال: كثرةُ أُمَّتِه.
ويقال: الأصحابُ والأشياع. ويقال: نورٌ في قلبه.
ويقال: معرفته بربوبيته.
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}.
أي صَلِّ صلاةَ العيد {وَانْحَرْ} النُّسُك.
ويقال: جمع له في الأمر بين: العبادة البدنية، والمالية.
ويقال: {وانحر} أي استقبِلْ القبلة بنحرك. أو ارفع يديك في صلاتك إلى نحرك.
ويقال: ضَعْ يمينك على يسارك في الصلاة واجعلها تحت نَحْرِك.
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}.
أي: لا يُذْكَرُ بخيرٍ، مُنْقَطِعٌ عنه كل خير. اهـ.

.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
وَمِنْ سُورَةِ الْكَوْثَرِ:
قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ}؛ قال الْحَسَنُ: صَلَاةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَنَحْرُ الْبُدْنِ وَقال عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: صَلِّ الصُّبْحَ بِجَمْعٍ وَانْحَرْ الْبُدْنَ بِمِنًى.
قال أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَيَيْنِ:
أحدهما: إيجَابُ صَلَاةِ الْأَضْحَى.
والثاني: وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا سَلَفَ.
وروى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عن علي {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ} قال: وَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى السَّاعِدِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ وَضْعُهُ عَلَى صَدْرِهِ.
وَرَوَى أَبُو الْجَوْزَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ} قال: وَضَعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ عِنْدَ النَّحْرِ فِي الصَّلَاةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ رَفَعُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ.
وَقال الْفَرَّاءُ: يُقال: اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ بِنَحْرِك.
فإن قيل: يُبْطِلُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَضْحَى إلَى الْبَقِيعِ، فَبَدَأَ فَصلى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَقال: «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ»، فَسَمَّى صَلَاةَ الْعِيدِ وَالنَّحْرَ سُنَّةً، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِمَا فِي الْكِتَابِ.
قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَمَا ظَنَنْت؛ لِأَنَّ مَا سَنَّهُ اللَّهُ وَفَرَضَهُ فَجَائِزٌ أَنْ نَقول: هَذَا سُنَّتُنَا وَهَذَا فَرْضُنَا كَمَا نَقول: هَذَا دِينُنَا، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ فَرَضَهُ عَلَيْنَا، وَتَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى حَقِيقَةِ نَحْرِ الْبُدْنَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ قال: نَحَرَ فُلَانٌ الْيَوْمَ؛ عُقِلَ مِنْهُ نَحْرُ الْبُدْنَ وَلَمْ يُعْقَلْ مِنْهُ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ؛ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُ يَدَهُ عِنْدَ النَّحْرِ.
وَقَدْ رُوِيَ عن علي وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ أسفل السُّرَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.
آخِرُ السُّورَةِ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة الكوثر فِيهَا آيَتَانِ:
الْآيَةُ الأولى قوله تعالى: {إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقال لَهُ: بسم الله الرحمن الرحيم {إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بسم الله الرحمن الرحيم لَيْسَتْ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ سُوَرِ القرآن، وَإِنَّمَا هِيَ واحدة مِنْ القرآن فِي سُورَةِ النَّمْلِ قوله: {إنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بسم الله الرحمن الرحيم أَلَّا تَعْلُوا على وَائْتُونِي مُسْلِمِينَ} بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا، وَاسْتَوْفَيْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ مِنْ التَّلْخِيصِ وَالْإِنْصَافِ.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ} فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ:
المسألة الأولى:
قوله تعالى: {فَصَلِّ} فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلِ اُعْبُدْ.
الثَّانِي: صَلِّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ.
الثَّالِثِ: صَلِّ يَوْمَ الْعِيدِ.
الرَّابِعِ: صَلِّ الصُّبْحَ بِجَمْعٍ.
المسألة الثَّانِيَةُ:
قوله: {وَانْحَرْ} فِيهِ قولان:
أحدهما:اجْعَلْ يَدَك عَلَى نَحْرِك إذَا صَلَّيْت.
الثَّانِي: انْحَرْ الْبُدْنَ وَالضَّحَايَا.
المسألة الثَّالِثَةُ:
فِي تَحْقِيقِ الْمُرَادِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِهَذِهِ الْآيَةِ: أَمَّا مَنْ قال: إنَّهَا الْعِبَادَةُ فَاحْتَجَّ بِأَنَّهَا أَصْلُ الصَّلَاةِ لُغَةً وَحَقِيقَةً عَلَى كُلِّ مَعْنَى، وَبِكُلِّ اشْتِقَاقٍ، فَكَأَنَّهُ قال تعالى لَهُ صلى الله عليه وسلم: فَاعْبُدْ رَبَّك وَلَا تَعْبُدْ غَيْرَهُ، وَانْحَرْ لَهُ وَلَا تَنْحَرْ لِسِوَاهُ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ وَالْأَنْصَابِ حَسْبَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ وَقُرَيْشٌ فِي جَاهِلِيَّتِهَا.
وَأَمَّا مَنْ قال: إنَّهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَلِأَنَّهَا رُكْنُ الْعِبَادَاتِ، وَقَاعِدَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَعْظَمُ دَعَائِمِ الدِّينِ.
وَأَمَّا مَنْ قال: إنَّهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَلِأَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالنَّحْرِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا صَلَاةَ فِيهِ قَبْلَ النَّحْرِ غَيْرَهَا، فَخَصَّصَهَا مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَوَاتِ لِاقْتِرَانِهَا بِالنَّحْرِ، فَأَمَّا مَالِكٌ فَقال: مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا.
وَاَلَّذِي يَقَعُ فِي نَفْسِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالنَّحْرُ بَعْدَهَا.
قال الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ سَمِعْنَا فِيهِ أَشْيَاءَ، وَرَوَيْنَا مَحَاسِنَ: قال علي: قوله: فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ.
قال: ضَعْ يَدَك الْيُمْنَى عَلَى سَاعِدِك الْيُسْرَى ثُمَّ ضَعْهُمَا عَلَى نَحْرِك قالهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقالهُ أَبُو الْجَوْزَاءِ.
وَقال مُجَاهِدٌ: قوله: {وَانْحَرْ} يَوْمَ النَّحْرِ.
وَقال الْحَكَمُ: قوله: {لِرَبِّك وَانْحَرْ}
صَلَاةُ الفجر وَالنَّحْرِ.
وَعَنْ جَعْفَرِ بن علي بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الصَّلَاةُ الصَّلَاةُ، النَّحْرُ النَّحْرُ.
وَقال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الصَّلَاةُ رَكْعَتَانِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى ثُمَّ اذْبَحْ.
وَقال عَطَاءٌ: مَوْقِفُهُمْ بِجَمْعِ صَلَاتِهِمْ، وَالنَّحْرُ النَّحْرُ.
قال مُجَاهِدٌ: النَّحْرُ لَنَا وَالذَّبْحُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ.
وَقال عَطَاءٌ: إنْ شَاءَ ذَبَحَ، وَإِنْ شَاءَ نَحَرَ.
وَقال عَطَاءٌ أَيْضًا: فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ: إذَا صَلَّيْت الصُّبْحَ فَانْحَرْ.
وَقال مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ: إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ فَلَا تَكُنْ صَلَاتُك وَلَا نَحْرُك إلَّا لِلَّهِ.
وَرَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْآيَةِ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ؛ أَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقال: انْحَرْ وَارْجِعْ.
فَقَامَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ خُطْبَةَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا؛ فَذَلِكَ حِينَ يَقول: {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ}.
قال قَتَادَةُ: صَلَاةُ الْأَضْحَى وَالنَّحْرُ نَحْرُ الْبُدْنِ.
فَهَذِهِ أَقْوَالُ أَقرآن مَالِكٍ وَمُتَقَدِّمِيهِ فِيهَا كَثِيرٌ.
وَقَدْ تَرَكْنَا أمثالها.
وَاَلَّذِي أَرَادَ مَالِكٌ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْأَقرآن بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالنَّحْرِ، وَلَا يَقْرُنَانِ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بالقرآن ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ مَا لَمْ يَعْتَضِدْ بِدَلِيلٍ مِنْ غَيْرِهِ.
وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ: اُعْبُدْ رَبَّك وَانْحَرْ لَهُ، وَلَا يَكُنْ عَمَلُك إلَّا لِمَنْ خَصَّك بِالْكَوْثَرِ، وَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْعَمَلِ يُوَازِي هَذِهِ الْخَصِيصَةَ مِنْ الْكَوْثَرِ، وَهُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ إيَّاهُ، أَوْ النَّهْرُ الَّذِي طِينَتُهُ مِسْكٌ، وَعَدَدُ آنِيَتِهِ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، أَمَّا أَنْ يُوَازِيَ هَذَا صَلَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ وَذَبْحَ كَبْشٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَذَلِكَ بَعِيدٌ فِي التَّقْدِيرِ وَالتَّدْبِيرِ وَمُوَازَنَةِ الثَّوَابِ لِلْعِبَادِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فلابد أَنْ نَفْرُغَ عَلَى قالبِ الْقوليْنِ وَنَنْسِجَ عَلَى مِنْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ، فَنَقول: أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّحْرُ يَوْمَ الضُّحَى فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَسَبَبُهُ فِي سُورَةِ (وَالصَّافَّاتِ) وَغَيْرِهَا.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قِصَّةُ إبْرَاهِيمَ فِي ولدهِ إسْمَاعِيلَ، وَمَا بَيَّنَّهُ اللَّهُ فِيهِ لِلْأُمَّةِ، وَجَعَلَهُ لَهُمْ قُدْوَةً، وَشَرَعَ تِلْكَ الْمِلَّةَ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْقول الْأَوَّلِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ؛ قالهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ حَبِيبٍ.
وَقال ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ اشْتَرَاهَا وَجَبَتْ.
وَهُوَ الثَّانِي.
الثَّالِثِ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ؛ قالهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ.
الرَّابِعِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ، وَهُوَ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا.
وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ هِيَ؟ فَقال: ضَحَّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وَضَحَّى الْمُسْلِمُونَ، كَمَا قال: أَوْتَرَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ.
وَتَعلق مَنْ أَوْجَبَهَا بِقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ}، وَبِقوله: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ}.
وَقَدْ تَقَرَّبَ بِدَمٍ وَاجِبٍ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فَلْيَتَقَرَّبْ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّتِهِ بِدَمٍ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ أُلْزِمَ الْمِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ».
وَالْعَتِيرَةُ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ.
وَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ حِينَ ذَبَحَ الْجَذَعَةَ فِي الْأُضْحِيَّةِ: «تَجْزِيَك، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أحد بَعْدَك».
وَلَا يُقال تَجْزِي إلَّا فِي الْوَاجِبِ.
قُلْنَا: أَمَّا قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ} فَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِ، وَمَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ فَلِاحْتِمَالِهِ تَسْقُطُ الْحُجَّةُ مِنْهُ.
وَأَمَّا قوله: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ} فَمِلَّةُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ تَشْتَمِلُ عَلَى فَرَائِضَ وَفَضَائِلَ وَسُنَنٍ، ولابد فِي تَعْيِينِ كُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا مِنْ دَلِيلٍ.
وَأَمَّا قوله عَلَيْهِ السلام: {تَجْزِيك وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أحد بَعْدَك}، فَكَذَلِكَ يُقال تَجْزِيَك فِي السُّنَّةِ كَمَا يُقال فِي الْفَرْضِ، فَلِكل واحد شَرْعُهُ، وَفِيهِ شَرْطُهُ، وَمِنْهُ إجْزَاؤُهُ أَوْ رَدُّهُ.
وَأَمَّا قوله: «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ» فَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ شُعْبَةَ عَنْ مَالِكٍ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَحْلِقَنَّ شَعْرًا، وَلَا يَقْلِمَنَّ ظُفْرًا حَتَّى يَنْحَرَ ضَحِيَّتَهُ».
فَعلق الْأُضْحِيَّةَ بِالْإِرَادَةِ، وَالْوَاجِبُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا؛ بَلْ هُوَ فَرْضٌ أَرَادَ الْمُكَلَّفُ أَوْ لَمْ يُرِدْ.
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ، وَأَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت بِيَوْمِ الْأَضْحَى، عِيدٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ».
قال رَجُلٌ: أَرَأَيْت إنْ لَمْ أَجِدْ إلَّا مَنِيحَةَ أَهْلِي أُضَحِّي بِهَا؟ قال«: لَا، وَلَكِنْ تَأْخُذُ مِنْ شَعْرِك وَأَظَافِرِك، وَتَقُصُّ شَارِبَك، وَتَحْلِقُ عَانَتَك؛ فَذَلِكَ تَمَامُ أُضْحِيَّتِك».
قال الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَرَبِيُّ: أَنْبَأَنَا قراءة عَلَيْهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْبَغْدَادِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عامر بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدَ، قال: لَقَدْ رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَهُمَا يُضَحِّيَانِ عَنْ أَهْلِهِمَا خَشْيَةَ أَنْ يُسْتَنَّ بِهِمَا.
قال: فَلَمَّا جِئْت بِلَادَكُمْ هَذِهِ حَمَلَنِي أَهْلِي عَلَى الْجَفَاءِ بَعْدَ مَا عَلِمْت السُّنَّةَ، فَقَدْ تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَهَذَا مُحَقَّقٌ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي مِنْ القرآن وَالسُّنَّةِ.
المسألة الرَّابِعَةُ:
مِنْ عَجِيبِ الْأمر أَنَّ الشَّافِعِيَّ قال: إنَّ مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ، وَاَللَّهُ تعالى يَقول فِي كِتَابِهِ: {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ} فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ النَّحْرِ.
وَقَدْ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قال: «أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ؛ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ نُسُكَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ».
وَأَصْحَابُهُ يُنْكِرُونَهُ، وَحَبَّذَا الْمُوَافَقَةُ؛ وَبَقِيَّةُ مَسَائِلِ الْأَضَاحِيّ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَشَرْحِ الْحَدِيثِ.
المسألة الْخَامِسَةُ:
وَأَمَّا إنْ.
قلنا: إنَّ مَعْنَى قوله: {وَانْحَرْ} ضَعْ يَدَك عَلَى نَحْرِك، فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلِ لَا تُوضَعُ فِي فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاعْتِمَادِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْفَرْضِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي النَّفْلِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهَا فِي الْفَرِيضَةِ، وَيَفْعَلُهَا فِي النَّافِلَةِ، اسْتِعَانَةً، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَرَخُّصٍ.
الثَّالِثِ يَفْعَلُهَا فِي الْفَرِيضَةِ وَفِي النَّافِلَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ وَائِلِ بْنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ حِيَالَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى الْحَدِيثَ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعِيدٍ قال: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ.
قال أَبُو حَازِمٍ: لَا أَعْلَمُهُ يَنْمِي ذَلِكَ إلَّا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. اهـ.